كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



وهو توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم ليواجه نذارة البشرية، ومتاعها وأهوالها وأثقالها، بهذا التصور، وبهذا الشعور، فيستصغر كل كيد، وكل قوة، وكل عقبة، وهو يستشعر أن ربه الذي دعاه ليقوم بهذه النذارة، هو الكبير.. ومشاق الدعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التصور وهذا الشعور.
ويوجهه إلى التطهر: {وثيابك فطهر}.. وطهارة الثياب كناية في الاستعمال العربي عن طهارة القلب والخلق والعمل.. طهارة الذات التي تحتويها الثياب، وكل ما يلم بها أو يمسها.. والطهارة هي الحالة المناسبة للتلقي من الملأ الأعلى. كما أنها ألصق شيء بطبيعة هذه الرسالة. وهي بعد هذا وذلك ضرورية لملابسة الإنذار والتبليغ، ومزاولة الدعوة في وسط التيارات والأهواء والمداخل والدروب؛ وما يصاحب هذا ويلابسه من أدران ومقاذر وأخلاط وشوائب، تحتاج من الداعية إلى الطهارة الكاملة كي يملك استنقاذ الملوثين دون أن يتلوث، وملابسة المدنسين من غير أن يتدنس.. وهي لفتة دقيقة عميقة إلى ملابسات الرسالة والدعوة والقيام على هذا الأمر بين شتى الأوساط، وشتى البيئات، وشتى الظروف، وشتى القلوب!
ويوجهه إلى هجران الشرك وموجبات العذاب: {والرجز فاهجر}.. والرسول صلى الله عليه وسلم كان هاجراً للشرك ولموجبات العذاب حتى قبل النبوة. فقد عافت فطرته السليمة ذلك الانحراف، وهذا الركام من المعتقدات الشائهة، وذلك الرجس من الأخلاق والعادات، فلم يعرف عنه أنه شارك في شيء من خوض الجاهلية. ولكن هذا التوجيه يعني المفاصلة وإعلان التميز الذي لا صلح فيه ولا هواده. فهما طريقان مفترقان لا يلتقيان. كما يعني التحرز من دنس هذا الرجز والرجز في الأصل هو العذاب، ثم أصبح يطلق على موجبات العذاب تحرز التطهر من مس هذا الدنس!
ويوجهه إلى إنكار ذاته وعدم المن بما يقدمه من الجهد، أو استكثاره واستعظامه: {ولا تمنن تستكثر}.. وهو سيقدم الكثير، وسيبذل الكثير، وسيلقى الكثير من الجهد والتضحية والعناء. ولكن ربه يريد منه ألا يظل يستعظم ما يقدمه ويستكثره ويمتن به.. وهذه الدعوة لا تستقيم في نفس تحس بما تبذل فيها. فالبذل فيها من الضخامة بحيث لا تحتمله النفس إلا حين تنساه. بل حين لا تستشعره من الأصل لأنها مستغرقة في الشعور بالله؛ شاعرة بأن كل ما تقدمه هو من فضله ومن عطاياه.
فهو فضل يمنحها إياه، وعطاء يختارها له، ويوفقها لنيله. وهو اختيار واصطفاء وتكريم يستحق الشكر لله. لا المن والاستكثار.
ويوجهه أخيراً إلى الصبر. الصبر لربه: {ولربك فاصبر}.. وهي الوصية التي تتكرر عند كل تكليف بهذه الدعوة أو تثبيت. والصبر هو هذا الزاد الأصيل في هذه المعركة الشاقة. معركة الدعوة إلى الله. المعركة المزدوجة مع شهوات النفوس وأهواء القلوب؛ ومع أعداء الدعوة الذين تقودهم شياطين الشهوات وتدفعهم شياطين الأهواء! وهي معركة طويلة عنيفة لا زاد لها إلا الصبر الذي يقصد فيه وجه الله، ويتجه به إليه احتساباً عنده وحده.
فإذا انتهى هذا التوجيه الإلهي للنبي الكريم، اتجه السياق إلى بيان ما ينذر به الآخرين، في لمسة توقظ الحس لليوم العسير، الذي ينذر بمقدمه النذير:
{فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير}..
والنقر في الناقور، هو ما يعبر عنه في مواضع أخرى بالنفخ في الصور. ولكن التعبير هنا أشد إيحاء بشدة الصوت ورنينه؛ كأنه نقر يصوّت ويدوّي. والصوت الذي ينقر الآذان أشد وقعاً من الصوت الذي تسمعه الآذان.. ومن ثم يصف اليوم بأنه عسير على الكافرين، ويؤكد هذا العسر بنفي كل ظل لليسر فيه: {على الكافرين غير يسير}.. فهو عسر كله. عسر لا يتخلله يسر. ولا يفصل أمر هذا العسر، بل يدعه مجملاً مجهلاً يوحي بالاختناق والكرب والضيق.. فما أجدر الكافرين أن يستمعوا للنذير، قبل أن ينقر في الناقور، فيواجههم هذا اليوم العسير العسير!
وينتقل من هذا التهديد العام إلى مواجهة فرد بذاته من المكذبين؛ يبدو أنه كان له دور رئيسي خاص في التكذيب والتبييت للدعوة؛ فيوجه إليه تهديداً ساحقاً ماحقاً، ويرسم له صورة منكرة تثير الهزء والسخرية من حاله وملامح وجهه ونفسه التي تبرز من خلال الكلمات كأنها حية شاخصة متحركة الملامح والسمات:
{ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالاً ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذآ إلا سحر يؤثر إن هذآ إلا قول البشر سأصليه سقر ومآ أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر...}..
وقد وردت روايات متعددة بأن المعنيّ هنا هو الوليد بن المغيرة المخزومي. قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثورة، عن معمر، عن عبادة بن منصور، عن عكرمة، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام، فأتاه فقال له: أي عم! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً: قال: لم؟ قال: يعطونكه، فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قِبله (يريد بخبث أن يثير كبرياءه من الناحية التي يعرف أن الوليد أشد بها اعتزازاً) قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالاً! قال: فقل فيه قولاً يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له! قال: فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن! والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا.
والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى.. قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه.. قال: فدعني حتى أفكر فيه.. فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره. فنزلت: {ذرني ومن خلقت وحيداً حتى بلغ عليها تسعة عشر}.
وفي رواية أخرى أن قريشاً قالت: لئن صبأ الوليد، لتصبون قريش كلها! فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه! ثم دخل عليه!.. وأنه قال بعد التفكير الطويل: إنه سحر يؤثر. أما ترون أنه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه؟
هذه هي الواقعة كما جاءت بها الروايات. فأما القرآن فيسوقها هذه السياقة الحية المثيرة.. يبدأ بذلك التهديد القاصم الرهيب.
{ذرني ومن خلقت وحيداً}..
والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيداً مجرداً من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد. خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده. فأنا سأتولى حربه.. وهنا يرتعش الحس ارتعاشه الفزع المزلزل؛ وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها.. قوة الجبار القهار.. لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها. فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه!
ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق، وما آتاه الله من نعمه وآلائه، قبل أن يذكر إعراضه وعناده. فهو قد خلقه وحيداً مجرداً من كل شيء حتى من ثيابه! ثم جعل له مالاً كثيراً ممدوداً. ورزقه بنين من حوله حاضرين شهوداً، فهو منهم في أنس وعزوة. ومهد له الحياة تمهيداً ويسرها له تيسيراً.. {ثم يطمع أن أزيد}.. فهو لا يقنع بما أوتي، ولا يشكر ويكتفي.. أم لعله يطمع في أن ينزل عليه الوحي وأن يعطى كتاباً كما سيجيء في آخر السورة: {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة}.. فقد كان ممن يحسدون الرسول صلى الله عليه وسلم على إعطائه النبوة.
وهنا يردعه ردعاً عنيفاً عن هذا الطمع الذي لم يقدم حسنة ولا طاعة ولا شكراً لله يرجو بسببه المزيد: {كلا}، وهي كلمة ردع وتبكيت {إنه كان لآياتنا عنيداً}.
فعاند دلائل الحق وموحيات الإيمان. ووقف في وجه الدعوة، وحارب رسولها، وصد عنها نفسه وغيره، وأطلق حواليها الأضاليل.
ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبدل اليسر عسراً، والتمهيد مشقة!
{سأرهقه صعوداً}..
وهو تعبير مصور لحركة المشقة. فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقاً. فإذا كان دفعاً من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقاً. وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة. فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود، يندبّ في طريق وعر شاق مبتوت؛ ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق، كأنما يصعد في السماء، أو يصعد في وعر صلد لا ريّ فيه ولا زاد، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق!
ثم يرسم تلك الصورة المبدعة المثيرة للسخرية والرجل يكد ذهنه! ويعصر أعصابه! ويقبض جبينه! وتكلح ملامحه وقسماته.. كل ذلك ليجد عيباً يعيب به هذا القرآن، وليجد قولاً يقوله فيه:
{إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذآ إلا سحر يؤثر إن هذآ إلا قول البشر}..
لمحة لمحة. وخطرة خطرة. وحركة حركة. يرسمها التعبير، كما لو كانت ريشة تصور، لا كلمات تعبر، بل كما لو كانت فيلماً متحركاً يلتقط المشهد لمحة لمحة!!!
لقطة وهو يفكر ويدبر ومعها دعوة هي قضاء {فقتل} واستنكار كله استهزاء {كيف قدَّر} ثم تكرار الدعوة والاستنكار لزيادة الإيحاء بالتكرار.
ولقطة وهو ينظر هكذا وهكذا في جد مصطنع متكلف يوحي بالسخرية منه والاستهزاء.
ولقطة وهو يقطب حاجبيه عابساً، ويقبض ملامح وجهه باسراً، ليستجمع فكره في هيئة مضحكة!
وبعد هذا المخاض كله؟ وهذا الحَزق كله؟ لا يفتح عليه بشيء.. إنما يدبر عن النور ويستكبر عن الحق.. فيقول: {إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر}!
إنها لمحات حية يثبتها التعبير القرآني في المخيلة أقوى مما تثبتها الريشة في اللوحة؛ وأجمل مما يعرضها الفيلم المتحرك على الأنظار! وإنها لتدع صاحبها سخرية الساخرين أبد الدهر، وتثبت صورته الزرية في صلب الوجود، تتملاها الأجيال بعد الأجيال!
فإذا انتهى عرض هذه اللمحات الحية الشاخصة لهذا المخلوق المضحك، عقب عليها بالوعيد المفزع:
{سأصليه سقر}.. وزاد هذا الوعيد تهويلاً بتجهيل سقر: {وما أدراك ما سقر}.. إنها شيء أعظم وأهول من الإدراك! ثم عقب على التجهيل بشيء من صفتها أشد هولاً: {لا تبقي ولا تذر}.. فهي تكنس كنساً، وتبلع بلعاً، وتمحو محواً، فلا يقف لها شيء، ولا يبقى وراءها شيء، ولا يفضل منها شيء!
ثم هي تتعرض للبشر وتلوح: {لواحة للبشر}.. كما قال في سورة المعارج: {تدعو من أدبر وتولى}.
فهي تدل على نفسها، وكأنما تقصد إثارة الفزع في النفوس، بمنظرها المخيف!
ويقوم عليها حراس عدتهم: {تسعة عشر}.. لا ندري أهم أفراد من الملائكة الغلاظ الشداد، أم صفوف أم أنواع من الملائكة وصنوف. إنما هو خبر من الله سندري شأنه فيما يجيء..
فأما المؤمنون فقد تلقوا كلمات الله بالتسليم اللائق بمن وثق بربه، وتأدب معه أدب العبد مع الرب فلم يعد يماري في خبره وقوله. وأما المشركون فتلقفوا هذا العدد بقلوب خاوية من الإيمان، عارية من التوقير لله، خالية من الجد في تلقي هذا الأمر العظيم. وراحوا يتهكمون عليه ويسخرون منه، ويتخذونه موضعاً للتندر والمزاح.. قال قائل منهم: أليس يتكفل كل عشرة منكم بواحد من هؤلاء التسعة عشر!؟ وقال قائل: لا بل اكفوني أنتم أمر اثنين منهم وعليّ الباقي أنا أكفيكموهم! وبمثل هذه الروح المطموسة المغلقة الفاضية تلقوا هذا القول العظيم الكريم.
عندئذ نزلت الآيات التالية تكشف عن حكمة الله في الكشف عن هذا الجانب من الغيب، وذكر هذا العدد، وترد علم الغيب إلى الله، وتقرر ما وراء ذكر سقر وحراسها من غاية ينتهي الموقف إليها:
{وما جعلنآ أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذآ أراد الله بهذا مثلاً كذلك يضل الله من يشآء ويهدي من يشآء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر}...
تبدأ الآية بتقرير حقيقة أولئك التسعة عشر الذين تمارى فيهم المشركون:
{وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة}..
فهم من ذلك الخلق المغيب الذي لا يعلم طبيعته وقوته إلا الله؛ وقد قال لنا عنهم: إنهم {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} فقرر أنهم يطيعون ما يأمرهم به الله، وأن بهم القدرة على فعل ما يأمرهم. فهم إذن مزودون بالقوة التي يقدرون بها على كل ما يكلفهم الله إياه. فإذا كان قد كلفهم القيام على سقر، فهم مزودون من قبله سبحانه بالقوة المطلوبة لهذه المهمة، كما يعلمها الله، فلا مجال لقهرهم أو مغالبتهم من هؤلاء البشر المضعوفين! وما كان قولهم عن مغالبتهم إلا وليد الجهل الغليظ بحقيقة خلق الله وتدبيره للأمور.
{وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا}..
فهم الذين يثير ذكر العدد في قلوبهم رغبة الجدل؛ ولا يعرفون مواضع التسليم ومواضع الجدل. فهذا الأمر الغيبي كله من شأن الله، وليس لدى البشر عنه من علم كثير ولا قليل، فإذا أخبر الله عنه خبراً فهو المصدر الوحيد لهذا الطرف من الحقيقة، وشأن البشر هو تلقي هذا الخبر بالتسليم، والاطمئنان إلى أن الخير في ذكر هذا الطرف وحده، بالقدر الذي ذكره، وأن لا مجال للجدل فيه، فالإنسان إنما يجادل فيما لديه عنه علم سابق يناقض الخبر الجديد أو يغايره.
أما لماذا كانوا تسعة عشر (أياً كان مدلول هذا العدد) فهو أمر يعلمه الله الذي ينسق الوجود كله، ويخلق كل شيء بقدر. وهذا العدد كغيره من الأعداد. والذي يبغي الجدل يمكنه أن يجادل وأن يعترض على أي عدد آخر وعلى أي أمر آخر بنفس الاعتراض.. لماذا كانت السماوات سبعاً؟ لماذا كان خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار؟ لماذا كان حمل الجنين تسعة أشهر؟ لماذا تعيش السلاحف آلاف السنين؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ والجواب: لأن صاحب الخلق والأمر يريد ويفعل ما يريد! هذا هو فصل الخطاب في مثل هذه الأمور..
{ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون}.. فهؤلاء وهؤلاء سيجدون في عدد حراس سقر ما يدعو بعضهم إلى اليقين ويدعو البعض إلى ازدياد الإيمان. فأما الذين أوتوا الكتاب فلابد أن لديهم شيئاً عن هذه الحقيقة، فإذا سمعوها من القرآن استيقنوا أنه مصدق لما بين يديهم عنها. وأما الذين آمنوا فكل قول من ربهم يزيدهم إيماناً. لأن قلوبهم مفتوحة موصولة تتلقى الحقائق تلقياً مباشراً؛ وكل حقيقة ترد إليها من عند الله تزيدها أنساً بالله.. وستشعر قلوبهم بحمكة الله في هذا العدد، وتقديره الدقيق في الخلق، فتزيد قلوبهم إيماناً. وتثبت هذه الحقيقة في قلوب هؤلاء وهؤلاء فلا يرتابون بعدها فيما يأتيهم من عند الله.